في الحَرْبِ بِوقاتٍ لَهُ وَطُبُولا ** جادتهمُ مطرَ الرَّدَى سِجِّيلافَفَدَوْكَ مَوْلودًا وَقَيْتَ نُفُوسَهُمْ ** شِيبًا وَشُبَّانًا مَعًا وَكُهُولاحتى إذا ما قُمْتَ فيهمْ مُنْذِرًا ** أبْدُو إليكَ عَداوة وذُحولافلقيتهمْ فردًا بعزمٍ ما انثنى ** يومًا وحسنِ تصبرٍ ماعيلاوأراهُ لا بِتَكَلُّمٍ إلاَّ إذا ** ثِقة ً بنَصْرِ مَنِ اتَّخَذْتَ وَكِيلاوَأَطَلْتَ في مَرْضَاة ِ رَبِّكَ سُخْطَهُمْ ** جُمِعَتْ لَهُ أغْنامُ قَيْدَارَ التيوَطَفِقْتَ يَلْقاكَ الصَّدِيقُ مُعادِيًا ** والسِّلْمُ حربًا والنَّصيرُ خذولاوَلِغالِبٍ مِنْ حَمْدِهِ وَبَهَائِهِ ** وَهَزَزْتَ فيهمْ صارمًا مَسْلولاوأقمتَ ذاكَ العضبَ فيهم قاضيًا ** ونَصَبْتَ تلكَ البيِّناتِ عُدولافطفقتَ لاتنفكُّ تتلو آية ً ** أسَمِعْتُمُ أنَّ الإلَه لحَاجَةٍحتَّى قضَى بالنَّصْرِ دينُكَ دِينهُ ** وغدا لدين الكافرين مُزيلاوعَنَتْ لِسَطْوَتِكَ المُلوكُ وَلَمْ تَزَلْ ** فصْلِ الخطاب أوامِرًا وفصولافَتخَالُ حامِلَ آيهِ مَحْمُولا ** ثَكْلى ومُوجَعَةٍ تُصِيبُ عَوِيلاالله أعطى المصطفى خُلقًا على ** في قَولِهِ وأخا الحِجا مَخْبولاغَمَرَ البَرِيَّة َ عَدْلُهُ فَصَدِيقُهُ ** وعدوُّهُ لا يظلمونَ فتيلاوَإذا أرادَ الله حِفْظَ وَلِيِّهِ ** ويَرُومُ مِنْ حَرِّ الهَجِيرِ مَقِيلاعُرِضَتْ عليهِ جبالُ مكة َ عسجدًا ** فأبى لفاقتهِ وكان مُعيلاركبَ الحمارَ تواضعًا من بعدما ** ركبَ البراقَ السابقَ الهذلولافَنَمَتْ وأُمِّنَ خَوْفُها وَعَدُوُّها ** من عَدَّ موجَ البحرِ عدَّ طويلامنهم كَلِيما رَبُّنا وخَليلا ** وأخذتُ منه لبابهُ المنخولاواصْرِفْ إلى مَدْحِ النبيِّ مُحَمَّدٍ ** فيهِ بِحَبْلِ موَدّةٍ مَوْصولاعَبَدُوا إلهًا مِنْ إلهِ كائِنًا ** سبقَ الجيادَ إلى المدى مشكُولاوأضاءتِ الأيامُ مِنْ أنوارِهِ ** فاستصحبتْ غُرَرًا بها وحجولاإني امرؤٌ قلبي يحبُّ محمدًا ** ويلومُ فيهِ لائمًا وعَذُولاالله أكبَرُ إِنَّ دِينَ مُحَمَّدٍ ** ليس المُحِبُّ لمن يحبُّ ملولاوَشَرِيفِ قَوْمٍ عِنْدَهمْ مَغلولا ** معهُ زمانًا والكفاحَ طويلافأَقُومَ عنه بِمقْولٍ وبصارم ** ذَا صُورَةٍ ضَلوا بها وهَيُولَىطورًا بقافيةٍ يُريكَ ثباتها ** لَعْنًا يَعُودُ عليهمُ مكفولاوبضربةٍ يَدَعُ المُدجَّجَ وِتْرُها ** صَمَمٍ وَكَمْ داءٍ أزالَ دَخِيلاوبطعنةٍ جلَتَ السِّنانَ فمثلتْ ** عَيْنًا لِعَيْنِكَ في الكَمِيِّ كَحِيلافي مَوقِفٍ غَشِيَ اللِّحاظَ فلا يَرى ** وبأنَّ أموالَ الطَّوائِفِ حُلِّلَتْفَرَشَفْتُ ثَغْرَ المَوتِ فيه أَشْنَبَا ** وَلَثَمْتُ خَدّ المَشْرَفيِّ أَسِيلالَمْ يُتخذْ بَيْتٌ سِوَاهُ قِبْلَة ً ** يَدْعُو جُنُودًا للوَغَى وخُيُولافاطْرَبْ إذا غَنَّى الحَديدُ فخْيرُ ما ** سَمِعَ المَشُوقُ إلى النِّزالِ صَليلاتالله يُثنى القلبُ عنه ما ثنى ** موسَى ولا عِيسَى وَلا شَمْوِيلاأسَفًا يَعَضُّ بنَانَهُ مَذْهُولا ** ذَا صُورَةٍ ضَلوا بها وهَيُولَىفلأقطعنَّ حبالَ تسويفي التي ** منعتْ سواي إلى حماهُ وصولاولأمنعنَّ العينَ فيه منامها ** ولأَجْعَلَنَّ لها السُّهَادَ خَلِيلاوَأَضَلّهُمْ رَأوُا القَبِيحَ جَمِيلا ** سبحانَ قاتِلِ نَفْسِهِ فأَقُولا؟من كل دامية ِ الأياطلِ زدتُها ** عنقًا إذا كلفتها التمهيلاسارت تقيسُ ذراعها سقفَ الفلا ** فكأَنما يَسْقِي السُّيُوفَ فلُولايَذَرُ المُعارِضَ ذا الفَصاحَة ِ ألْكَنا ** وَإلى المَسيحِ وَأُمِّهِ وَكَفَى بهافَرِحَتْ بِهِ البَرِيَّة ُ القُصْوَى وَمنْ ** من ميسمٍ فتكافئآ تقتيلاقطعتْ حبالَ البعدِ لما أعملتْ ** شَوْقًا لَطَيْبَة َ ساعِدًا مَفْتُولالأتَى بِسَيْلٍ ما يُصِيبُ مَسِيلا ** ولِسامِعٍ مِنْ فَضْلِهِ ما قيلاوبأنَّ سِحْرًا ما اسْتطاعَ لآيَةٍ ** أَفَتَجْعَلُونَ دَلِيلَهُ مَدْخُولاقَوْلًا عَلَى خيرِ الوَرَى مَنْحُولا ** حينًا بطولِ إساءتي مشكولاإلاَّ ونالَ بِجُودِهِ المَأْمُولا ** وكفى بفضلٍ منه لي تنويلاوإذا تعسرتِ الأمورُ فإنني ** راجٍ لها بمحمدٍ تسهيلاياربِّ هبنا للنبيِّ وهبْ لنا ** ما سَوَّلَتهُ نُفوسُنا تَسْوِيلاواسترْ علينا ما علمتَ فلمْ يُطقْ ** مِنَّا امْرُؤٌ لِخَطِيئَةٍ تَخْجِيلاوَاعطِفْ عَلَى الخَلْقِ الضَّعِيفِ إِذا رَأى ** هولَ المعادِ فأظهرَ التهويلايومٌ تضلُّ به العقولُ فتشخًصُ الـ ** ذَا صُورَةٍ ضَلوا بها وهَيُولَىوَجِبالُ فارانَ الرَّواسِي إنها ** حينًا وحينًا يُظهرونَ عويلاوَأَضَلّهُمْ رَأوُا القَبِيحَ جَمِيلا ** لهُمُ رِبًا وخيانَة ً وَغُلولالتنالَ من ظمأِ القيامة ِ نفسهُ ** ورَضُوا لِمُوسى أنْ يقولَ فواحِشًاأَفَتَجْعَلُونَ دَلِيلَهُ مَدْخُولا ** فرطًا تبلِّغنا به المأمولاواصرف به عنا عذابَ جهنمَ ** كَرَمًا وكُفَّ ضِرامَها المَشْغُولاوَعَلَى مَضاجِعِهِمْ وكلِّ ثَنِيَّةٍ ** خَتَمَتْ وصِيَّتُهُ لهنَّ فصُولاما هزَّتِ القُضْبَ النسيمُ ورجعتْ ** ورقاءُ في فننِ الأراكِ هديلا
.من فوائد الشعراوي في الآية:
قال رحمه الله:
{لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ}.وقال سبحانه من قبل:
{فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ العداوة} [المائدة: 14].فمن اتبعوا اليعقوبية قالوا شيئًا، والنصرانية قالت شيئًا، والملكانية قالت شيئًا ثالثًا؛ فجاء بالقمة:
{لَّقَدْ كَفَرَ الذين قآلوا إِنَّ الله هُوَ المسيح ابن مَرْيَمَ}.ويأتي قوله سبحانه:
{قل}، ردًا عليهم:
{فَمَن يَمْلِكُ مِنَ الله شَيْئًا} أي من يمنع قدر الله أن ينزل بمن جعلتموه إلهًا
{إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ المسيح ابن مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الأرض جَمِيعًا}.لقد زعموا أن الله هو المسيح عيسى ابن مريم وفي هذا اجتراء على مقام الألوهية المنزهة عن التشبيه وعن الحلول في أي شيء. وفي هذا القول الكريم بلاغ لهؤلاء أن أحدًا لا يستطيع أن يمنع إهلاك الله لعيسى وأمه وجميع من في الأرض. فهو الحق الملك الخالق للسموات والأرض. وما بينهما يخلق ما يشاء كما يريد. فإن كان قد خلق المسيح دون أب؛ فقد جاءنا البلاغ من قبل بأنه سبحانه خلق آدم بدون أب ولا أم، وخلق حواء دون أم، جلت عظمته وقدرته لا يعجزه شيء. إن عيسى عليه السلام من البشر قابل للفناء ككل البشر.
{وَللَّهِ مُلْكُ السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ} جاء الحق هنا بالسماء كنوع علوي والأرض كنوع سفلي، وقوله:
{يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ} يرد على الشبهة بإيجاز دقيق:
{يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ}؛ لأن الفتنة جاءت من ناحية أن عيسى عليه السلام مُيّز في طريقة خلقه بشيء لم يكن في عامة الناس؛ فأوضح الحق: لا تظنوا أن الخلق الذي أخلقه يشترط عليّ أن تكون هناك ذكورة وأنوثة ولقاح، هذا في العرف العام الذي يفترض وجود ذكورة وأنوثة، وإلا لكان يجب أن تكون الفتنة قبل عيسى في آدم؛ لأنه خلق من غير أب ولا أم. إذن فالذي يريد أن يفتتن بأنه من أم دون أب، كان يجب أن يفتتن في آدم لأنه لا أب ولا أم. ويوضح لهم: الله يخلق ما يشاء فلا يتحتم أو يلزم أن يكون من زوجين أو من ذكر فقط أو من أنثى فقط.إن ربنا سبحانه وتعالى له طلاقة القدرة في أن يخلق ما يشاء، وقد أراد خلقه على القسمة العقلية المنطقية الأربعة: إما أن يكون من أب وأم مثلنا جميعًا، وإما أن يكون بعدمهما مثل آدم، وإما أن يكون بالذكر دون الأنثى كحواء، وإما أن يكون بالأنثى دون الذكر كعيسى عليه السلام، فأدار الله الخلق على القواعد المنطقية الأربعة كي لا تفهم أن ربنا يريد مواصفات خاصة كي يخلق بل هو يخلق ما يشاء. والدليل على ذلك أن الزوجين يكونان موجودين مع بعضهما ومع ذلك لا يُنْجَبُ منهما، فهل هناك اكتمال أكثر من هذا؟!
{لِلَّهِ مُلْكُ السماوات والأرض يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذكور * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيمًا} [الشورى: 49-50].إذن فالمسألة ألا يُفرض على ربنا عناصر تكوين، لا، بل هي إرادة مُكَوِّن لا عنصرية مَكَوَّن. إنه
{يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ}، ومشيئته مطلقة وقدرته عامة. ولذلك لابد أن يأتي القول:
{والله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}. اهـ.
.فوائد لغوية وإعرابية:
قال السمين:قوله تعالى:
{فَمَن يَمْلِكُ}: الفاءُ عاطفةٌ هذه الجملةَ على جملة مقدرة قبلها، والتقديرُ: قل كذبوا- أوليس الأمر كذلك- فمن يملك؟ وقوله:
{من الله} في احتمالان، أظهرهما: أنه متعلق بالفعل قبله. والثاني: ذَكَره أبو البقاء أنه حال من
{شيئًا} يعني من حيث إنه كان صفةً في الأصل للنكرة فقُدِّم عليها فانتصب حالًا، وفيه بٌعْدٌ أو منعٌ. وقوله:
{فَمَنْ} استفهامُ توبيخ وتقرير، وهو دالٌ على جواب الشرط بعده عند الجمهورِ. وقوله:
{وَمَن فِي الأرض} من باب عطف العام على الخاص حتى يبالِغَ في نفي الإِلهية عنهما، فكأنه نصَّ عليهما مرتين مرة بذكرهما مفردين، ومرةً باندراجِهما في العموم و
{جميعًا} حالٌ من المسيح وأمه ومَنْ في الأرض، أو من
{مَنْ} وحدها لعمومها، ويجوز أن تكونَ منصوبةً على التوكيد مثل
«كل»، وذكرها بعض النحويين من ألفاظ التوكيد. وقوله:
{يَخْلُق} جملةٌ لا محلَّ لها لاستئنافها. اهـ.
.تفسير الآية رقم (18):
قوله تعالى:
{وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (18)}
.مناسبة الآية لما قبلها:
قال البقاعي:ولما عم سبحانه في ذكر فضائح بني إسرائيل تارة، وخص أخرى، عم بذكر طامة من طوامهم، حملهم عليها العجب والبطر بما أنعم الله به عليهم، فقال:
{وقالت اليهود والنصارى} أي كل طائفة قالت ذلك على حدتها خاصة لنفسها دون الخلق أجمعين
{نحن أبناؤا الله} أي بما هو ناظر إلينا به من جميع صفات الكمال
{وأحباؤه} أي غريقون في كل من الوصفين- كما يدل عليه العطف بالواو، ثم شرع ينقض هذه الدعوى نقضًا بعد نقض على تقدير كون البنوة على حقيقتها أو مجازها، والذي أورثهم هذه الشبهة- إن لم يكونوا قالوا ذلك عنادًا- أن في موضع من التوراة عن قول الله تعالى لموسى عليه السلام: شعبي بكري، وقال في أول نبوة موسى عليه السلام- كما ذكرته في الأعراف: وقل لفرعون: هكذا يقول الرب: ابني بكري إسرائيل أرسل ليعبدني، فإن أبيت أن ترسل ابني فإني أقتل ابنك بكرك- ونحو هذا؛ وفي كثير مما بين أيديهم من الإنجيل عن قول عيسى عليه السلام: افعلوا كذا لتكونوا بني أبيكم الذي في السماء- ونحو ذلك، وقد بينت معناه على تقدير صحته بما يوجب رده إلى المحكم بلا شبهة في أول سورة آل عمران؛ قال البيضاوي في أول سورة الكهف: إنهم كانوا يطلقون الأب والابن في تلك الأديان بمعنى المؤثر والأثر، وقال في البقرة في تفسير
{بديع السماوات} [البقرة: 117]: أنهم كانوا يطلقون الأب على الله باعتبار أنه السبب الأصلي، ثم ظنت الجهلة منهم أن المراد به معنى الولادة، فلذاك كفر قائله ومنع منه منعًا مطلقًا انتهى.